عابد
4 min readJul 27, 2023

رسالة الى مركز الدراسات والبحوث الافريقية

بعد بيات شتوي طويل للمركز ، وفي عام 2018 استمعت الى شكوى المشرفين عليه آن ذاك ، عن نقص التمويل ، واهمال وزارة الثقافة ، كاتبت حينها السيد وزير الثقافة حسن اونيس ، بصفتي عضو لجنة الخبراء بالوزارة ، وذكرته باهمية الالتفات الى هذا المرفق البحثي الذي انجز يوما ابداعات متميزة تعد اضافة فريدة للمشهد الافريقي ، لكنه لم يهتم بالامر . الان نرى عودة . بل وحدث قبل ايام ، وبتاريخ 15 يونيو 2023 .. ان افتتحت وزارة الثقافة والتنمية المعرفية فرعًا جديدًا للمركز البحوث بمدينة الخمس الساحلية ، في اطار الخطة التوسعية للمركز، ولتعزيز دوره الريادي في صناعة القرار حسب ما ورد بالاعلان .

تأسس المركز اوائل عقد الثمانينات من القرن الماضي .. ظل في السنة الاولى ملحق بجامعة سبها وبرئاسة عميد الجامعة .. وخصص له حجرة معدنية صغيرة طرف الربع الخالي . وكاد يموت لحظة الولادة .. ثم صدر قرار فصله عن الجامعة وتكليف المرحوم الدكتور بلقاسم اقديح برئاسته .. عندها نقل مقره خارج الجامعة وخصص له مبنى المدرسة الاعدادية القديمة بـ ” حي سكره ” .. مقر متسع شيد بالخمسينات ، ورغم قدم المكان والحالة الرثة ، والارضية الاسمنتية تمكن المرحوم من اعادة بعث الحياة به .. ومثلت تلك الفترة ذروة الازدهار الزاخرة بالإنتاج المعرفي الرصين والمؤطر لامتداد العلاقة الليبية الافريقية .. وقد أثرى المكتبة بالعديد من المقالات الرائعة لمؤلفين عرب وأفارقة زخرت بها صفحات مجلة ” الدراسات الافريقية ” .. واشرف على العديد من المؤتمرات التي تخالج هموم افريقية .. ” مؤتمر التعليم من اجل التحرر في افريقيا ” .. وكذا مؤلفات وترجمات لنوادر مما كتب عن افريقيا .. ” وول ستريت ضد افريقيا ” ترجمة : د. عبدالرحمن السعدون .. وقراءة في ” التجربة الغامضة .. لحامدو كاني او التيار الاسلامي في الادب السنغالي ” الدكتور خالد مرسي ، وكتابات تألي البروفسور عبدالله بولا صاحب النفس الطويل والتحليل العميق والقوالب الادبية الفريدة .. وغيرها من المؤلفات النادرة والقيمة .. اضافة الى جهود المركز ومساهمته المتواضعة في انقاد المخطوطات بمكتبة معهد احمد بابا للدراسات العليا والبحوث بتمبكتو ، اكبر معهد في افريقيا جنوب الصحراء ثراء بالمخطوطات .. تمبكتو وهي تحاول الانبعاث من ركام الذاكرة .. لإحياء مكانتها التاريخية كمركز للإشعاع الحضاري ، ينبض تاريخا ويضخ تراثا .. وقد شكلت ذات يوم عمقا روحيا رادعا في مواجهة اطماع السلطات الاستعمارية المختلفة التي اقتسمت القارة فيما بينها في ظل مؤتمر برلين 1885 .. كتابات ثمينة صنعت مجد وادى نهر النيجر بين القرنين الثالث عشر والتاسع عشر .

كان جهدا مضنيا ذلك الذي قام به المرحوم قديح ، واختياراته في التعاون مع الاساتذة المميزين المهتمين بالشأن الافريقي .. كالأستاذ عبدالله بولا ( رحمه الله ) وحقيق بالبحث العلمي والمشرفين على المركز اليوم ان يتم جمع ما خطت انامله البرفسور بولا الرائع .

عام 2008 كلف الدكتور الهادي الدالي بادارة المركز ، وثم نقل مقره الى طرابلس .. بكل ما حوى من وثائق ومخطوطات لا تقدر بثمن . ومنها ما ضاع هنا وهناك .

تاريخ القارة الافريقية متخم بالحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي ، والمحصلة هي كل هذا التخلف الاقتصادي والاجتماعي ” ، مقدمة حملتها دراسة حول حركة اللجوء في افريقيا ، في محاولة للبحث عن الجذور التاريخية للظاهرة والتي تعود بذورها الى لحظة التسابق الاستعماري الاوروبي نهاية القرن السابع عشر ، لحظة الانقضاض على افريقيا لنهب مواردها الطبيعية ، واستغلال او استعباد عناصرها البشرية ، والذي قاد الى افقار افريقيا ، وساهم بصورة ملحوظة في اثراء اوروبا ، وفي سبيل تحقيق غرضه ، اقدم على رسم الحدود السياسية التي تفصل بين مصالح تلك الدول المستعمرة بما يخدم اغراضها ، ويقيها شر التصادم فيما بينها ، وهي الحدود التي اصبحت فيما بعد خطوط عازلة بين الدول والبلدان الافريقية ، ولاحقا وجدت لها اعترافا دوليا .

هذه التجزئة لم تراعي التركيبة الاجتماعية للمجتمعات الافريقية ،وقد نجم عن هذا التقسيم الغير عقلاني بروز ظاهرة الهجرة الافريقية للقبائل من مواطن فقيرة الى مواطن اكثر فقرا ، وزحزحة او تمزيق نسيج معظم القبائل الافريقية ، وأكثر من ذلك ، اصبحت بعض القبائل التي كانت بالأمس وحدة اجتماعية ثقافية متماسكة ، طرفين في نزاع حول الحدود ، يشكلان فيه وحدتين سياسيتين مستقلتين ومتحاربتين في معظم الاحيان .

لقد كانت النتيجة المباشرة لمثل هذه السياسات الازمة الاقتصادية الخانقة التي تواجه افريقيا حاليا ، .. وكان رد الفعل الطبيعي لهذا الظلم الاجتماعي ، العرقي والإقليمي هو الحرب الاهلية لانتزاع الحقوق ، وولادة حركات التحرر ، وما نجم عن تلك الصراعات المسلحة من اجبار الالاف المواطنين على مغادرة ديارهم والهجرة الى مناطق اخرى .

بقي عتب على الهامش ، كنت قد اتصلت بمدير المركز اواخر عام 2022 ، وابلغته عن كتابي ( حرس ملك ملوك افريقا ) ، وان الكتاب يتناول حركات التحرر الافريقي التي لقيت الدعم من قبل ليبيا ، البدايات والنهايات ، ووعد بانه سيضع الكتاب ضمن اولوياته حال توفر المدد المالي ، ولا ادري اليوم ، هل توفر المدد الكافي لنشر المؤلفات التي تتناول الشأن الافريقي ؟ وان لم يكن كذلك ، فالتوسع في فتح الفروع قد لا يكون اولوية ذات جدوى .. مع تمنيات التوفيق .